معذرة يا أمي

عندما كنت تعلقين كثيرا من الآمال علي في حياتك لم تكوني تعلمين أني لا يكون لي شأن إلا بوجودك وهذا أمر علمته بعدما رحلت فقد كنت مثل طائر أصيب بطلق ناري في جناحه وهو يطير بعد وفاتك فتعطل جناح ولم يقو الآخر على حمله فصار يسقط سقوطا بطيئا لا يمنعه من التفكير في الهلاك الشنيع الذي ينتظره ولا يقتله قتلة سريعة مريحة فكان يموت في كل لحظة ألف مرة وهو ينظر إلى الارض تحته تتأهب لترض عظامه وهو يهوي في دوائر تفقده معرفة ما يحدث حوله سوى منظر الأرض فيلمح بعض الطيور حوله فيصرخ لتنقذه ولأنه لا يميز شيئا لم يكن يعلم أنها نسور ترقص طربا لما ترى وتستمتع بمنظره فهي على موعد مع وجبة تتحضر لتموت وعبثا يرفرف بجناحه الآخر دون جدوى فيكلُّ ولا يقوى على حمله فيتوقف ليتسارع هبوطه فيهبط هبوط الصقر ولكن لا ليَقتل بل ليُقتل والأرض تقترب منه وقد خذلته الطيور التي ظن أنها ستنقذه لكنه أخيرا سيموت وينتهي ألمه ووجع قلبه وعلى صخرة كأنها ما كانت هنا إلا لتقتله سقط وتكسرت عظامه كلها وللأسف لم يمت فقد بقيت روحه متشبثة بجسده كأنها هي الأخرى تريد عذابه ولكنه لا يستطيع الحراك بعد أن انشطر عموده الفقري فصار كالخلق البالي لا يعمل في جسده سوى عقله وقلبه الذي ينبض بضعف فلا يكاد يقوى على دفع الدم في عروقه ومع الألم الشديد لم يكن قادرا على إطلاق الأنين فيستدل عليه مفترس لينهي حياته فقد تهشمت حنجرته ولم يعد قادرا على التغريد كما كان يفعل ويلوح له أمل فالذي أطلق عليه النار صياد فلعله يذكيه ويخلصه من هذا العذاب أسرع من أي شيء آخر ويا بشرى هذه سكين بيده فتجلدَ وتحملَ بقية عمره القصير بانتظار عذوبة حز السكين على رقبته فأخذه الصياد وقلبه فإذا هو لا يرمش له جفن فظنه ميتا لا حاجة لقطع عنقه فأخذه وألقاه في حوض سيارته ليسقط ثانية على أقسى من الصخر فيشعر بالألم في كل جسده كأنما صُبَّ عليه حمض حارق دون أن يتاح له حتى الأنين والصراخ فظل ينزف الدماء ببطء كأنما يسحل على الأرض سحلا ولا يستطيع أن يقول اقتلوني حتى وصل الصياد محله وبدأ به ينتف ريشه فينزعه نزعا يسلخ معه بعض جلده يحسبه ميتا إذ هو لا يتحرك ولا يئن وما إن انتهى من نتفه شق بطنه ونزع أحشاءه وهو حي وقبل أن يموت بثوان قليلة ألقاه في القدر والماء يغلي ليحس بكل الألم الممكن قبل أن يفارق الدنيا.

معذرة يا أمي لقد توفيت معك يوم وفاتك وماتت كل آمالك المعلقة ذلك اليوم

Be the first to comment

Leave a Reply