وحش الاكتئاب

وحش الاكتئاب

في الحقيقة لا توجد لغة استطاعت وصف الاكتئاب أو خصصت له مفردات تميزه بدقة حتى اسمه مستعار من الشعور الطبيعي بالكآبة.

 

سأحاول الاقتراب من كنهه قدر ما تسعفني به الكلمات استنادا إلى تجربتي

 

أقرب المشاعر الطبيعية إلى الاكتئاب هو ذلك الشعور المؤلم عندما يموت شخص عزيز عليك وتحبه كأقارب الدرجة الأولى.

 

تلك اللحظة التي تحس بها بأن ثقلا يسحق فؤادك من هذا الفراق هي جزء  من شعور الاكتئاب المروع. تلك اللحظة يعيشها المكتئب باستمرار مثل القارض الذي يجري في العجلة باستمرار غير متناه فتزيده الأيام ولا تخففه فكأن المكتئب تموت أمه في الصباح وأخته في الظهر وأخوه في العصر وابنه في المغرب وابنته في العشاء وهكذا كل يوم

 

الاكتئاب قاتل

يقتل سعادتك بالأشياء ويقلبها لحزن عميق فلا تعود تفرح بشيء لأنه يسلب القيمة من حياتك ويجعلها تافهة لا معنى لها وتصبح ميزاتك سلبيات تعيقك وإن تخليت عنها عدت بلا قيمة فأنت في الحالين مسلوب

 

قذر

يخرج أسوأ ما فيك ويجعله لازما فيك حتى يسيطر عليك

ويفسد أجمل ما فيك ويسلبه حسنه فما كنت تفخر به وتتباهى به يصير شيئا يزيد من وهنك وبغضك لنفسك

 

مخادع

يخبرك أن الحياة انتهت ولا فائدة من بقائك حيا

قد يمنحك بعض اللحظات التي تحس فيها بالعافية ولكنه يعود أقوى مما كان كأنه كان يستجمع قواه

 

يزرع فيك العفن

فتتعفن روحك وتتشوه مثل تلك البرتقالة التي كانت زاهية اللون ثم علتها طبقة خضراء مشوبة ببياض ورائحة منتنة فالمكتئب هكذا من الداخل ينخر فيه المرض ويتعفن

 

يعزلك عن الناس

لأنك لم تعد لديك الطاقة لاحتمالهم والصبر عليهم فأنت متذمر من أتفه الأشياء التي تراها قبل المرض كذلك

 

ولأن الناس بطبيعتهم يبتعدون عن المتذمرين فحتى من كان يأبه لأمرك يراك ثقلا عليه التخلص منه حتى لا تفسد حياته وسترى أشخاصا تحبهم وهم يتركونك حتى بلا وداع فقد أصبحت كالأجرب المنبوذ الجميع يتقونك ومن السخرية أن أهم عون يحتاجه المكتئب هو دعم من حوله

 

مؤلم

فتحس كأن يدا تسللت إلى صدرك لتجر عروقك جر أفواه الوحوش إلا أنها لا تتمزق ثم تقبض على فؤادك بكل ما أوتيت من قوة فتحس أن قلبك يجاهد لينبض نبضة واحدة حيث لا متسع لينبسط وينقبض

 

يبطئك

فالعمل الذي كنت تفعله في دقائق قد تنقضي أيام ولا تنجز منه شيئا وإن أنجزت فبالحد الأدنى.

من المألوف أن تصنع طعاما وتنساه حتى يحترق

وإن استعنت بالأجهزة والتوقيت فإنك تنسى أنك وضعت فيها شيئا لتجده بعد يومين مثلا وقد تعفن. يجعلك تعيش في خراب يتراكم حولك

 

يمحو بهجتك

لا تستطيع أن تفرح فكأن الفرح  يمد الاكتئاب بطاقة إضافية ليغالي في إيذائك فتبدأ بالخوف من الفرح مع حاجتك الماسة لأي سرور

 

يدمرك

مهما بلغت من القوة فلست في مأمن من الاكتئاب وكلما كنت قويا أكثر صار انهيارك أشد وأشنع فمن كان يراك عظيما جبارا سيعجب جدا عندما يراك في هذا الضعف

 

تتآكل

من قبح الاكتئاب أنه لا يقضي عليك مرة واحدة بل يستمتع بتعذيبك ببطء فيوصلك حد الموت ثم يعيدك للحياة كمن يغرقك في حوض ماء ثم يرفعك قليلا ثم يعيدك وهكذا فلا هو يقتلك ولا يغادرك كأنك تضرب في كل لحظة سوطا

 

يجعلك تبكي

دمعتك العصية ستكون أهون من نفثة الزفير وأسرع وتبكي كالأطفال بصوت مسموع وما من أحد حولك ليسمع أو يرق لك وتحاول أن تجمع بقايا من القوة ونتفا من العزم الباقي لتمنع عينك أن تسيل امام الناس وتتصنع العافية لأنهم سيكثرون عليك النصح في شيء لا يعرفونه وقد حاولت أنت حيلا خيرا مما يقولون فلم تفلح

 

يحتلك ويستعمرك

يتغذى عليك ويقتات من عافيتك ويستعبدك لحياته مقيدا ذليلا لا تقدر على شيء ويشاركك الفراش والطعام والجلوس والقيام ويتدخل في كل شيء ويثير كل حزن في نفسك لتفه موقف فيوجعك رؤية الحيوانات والطيور تحظى بحياة خير من حياتك

 

يربط كل شيء بما يحزنك

تسمع أغنية فيربطها بك وتشاهد فيلما فيربط أحداثه بآلامك حتى إذا سرت في الشارع يربط أسماءها بما يحزنك ستشاهد أوجاعك متجسدة في مبنى أو شجرة أو شخصين معا وأنت وحدك كأن الدنيا خلقت لتذكرك بأوجاعك

 

سيخبرك بما فاتك

ستشاهد الناس تعيش حياة طبيعية تتمناها أنت ولا تحصل عليها وتدرك أن عمرك القادم سيضيع كما ضاع عمرك الفائت بلا فائدة.

الموت هو الحل

هذه هي الفكرة الوحيدة التي يجملها لك فيدفعك للهروب من الحياة وإن كنت مسلما فستفكر بطريقة لا تعد انتحارا وتتمنى لو صادفك الموت ولكنك لا تموت سترى القبور وكأنها منافذ وابواب للخلاص من جحيم المرض ومع كل استيقاظ وحين يهجم عليك الاكتئاب تود لو أن روحك ما عادت إليك

لا يعذرك أحد

فالاكتئاب ليس جرحا ينزف أو حرارة تقاس أو سرطانا أو فيروسا فيراك الناس في عافية ويحسبون ما فيك مجرد ضيق صدر وحزن لا أكثر كحزنهم وضيق صدورهم فلا يعذرونك في إخفاقك ابدا ويحاسبونك كأنك إنسان معافى فيقسون عليك في لحظة تكون أنت فيها أكثر هشاشة من ورقة عنب يابسة فتتحطم لأدنى لمسة وتشتعل فيك النيران سريعا لأدنى كلمة.

تشك في كل شيء

فبعد أن تجرب كل حيلة وكل وسيلة ولا ينجح الأمر تكون بيئة خصبة للشك في كل الثوابت حتى الدين وتحاول إن كنت امرأ تقيا أن تتشبث بإيمانك ولكن في كل مرة يعصرك فيها الاكتئاب تعيد حساباتك من جديد وهنا يجدك الشيطان فريسة سهلة

يفترسك حيا

هو ياكلك وأنت حي فتحس بأنيابه وهي تنغرس في جسدك وينتزع أعضاءك ويمزقك وأنت تتنفس مثل افتراس الضباع فتسمع صراخ فريستها وهي تؤكل وتخيل أن يدها تنتزع وهي حية ويبقر بطنها وتمزق أحشاؤها وهي تصرخ صراخا يكاد يشق سمك السماء

4 Comments

Leave a Reply