عامر

النسور حائرة وفي دهشة لا تعرف أن تتعامل مع جثة حية، إنها لا تتحرك لكنها تئن وتتألم، فماذا ستفعل وقرصة الجوع تجعل بطونها تعوي.

image

عامر ضبع ولدته الأنثى الأدنى مرتبة في الهرم الطبقي لمجموعته لذا كان عليه أن يقاسي ويعاني لعنة تلك المرتبة.

لا تستطيع أمه أن تفعل له شيئا، حتى أقل واجبات الأمومة من حماية وإرضاع، فكل شيء تقدمه المجموعة أولا لابنة الملكة ثم أولاد بقية المجموعة حسب الرتبة ولا يكاد يبقى شيء بعد ذلك لعامر.

image

كانت الضباع الصغيرة تتخذه دمية تلعب به وتتدرب عليه وتطارده وتؤذيه ولا يستطيع أحد حمايته حتى أمه

ينتظر دوره ليرضع ما تبقى من حليب أمه الذي سلبته الضباع الصغيرة بنات الإناث ذوات الرتب الأعلى

لا يستطيع عامر أن يفعل شيئا لأنه كلما اشتكى أو حاول الدفاع عن نفسه زجرته الملكة وهددته بالطرد

كانت ابنة الملكة تستمتع بتعذيبه حتى توصله الحد الذي لا يطيقه وما إن ينتصر لنفسه حتى تستغيث تلك الخبيثة بأمها لتكمل تعذيبه

image

ترق له أمه وتحاول أن تمنحه في غفلة الرقيب ما تستطيع فتسرق له بعض الطعام حينا وتخفي عامرا أحيانا فكانت له الشيء الجميل الوحيد في حياته لكن ليس من حق عامر أن يفرح فعندما اكتشفت الملكة ما تفعله أمه قتلتها وحرمته منها.

image

لا توجد لغة تستطيع أن تصف فجيعة عامر ولا الصدمة التي أصابته وقف مذهولا فوق جثة أمه يهلكه العجز ويوجعه الفقد ويأكله الفراق، لم يستطع أن يبكي وتجمدت عيناه فالحال أكبر من أن يستوعبه قلبه الصغير.

كانت إحدى الضباع الصغيرة لا تؤذي عامرا ولا تضره وكفت أذاها عنه فكان عامر ممتنا لذلك وإن لم تقدم له شيئا

كبرت الضباع الصغيرة وكبر إيذاؤها لعامر ففي عالم الضباع الإناث تحكم وورثت تلك الصغيرة الخبيثة عرش أمها وتتسابق الذكور لكسب ودها إلا عامر فهو يائس لأنه الأدنى مرتبة لكنه كان يأمل بتلك التي لم تؤذه يوما فوضع كل آماله فيها وحين أراد الاقتراب منها صرخت في وجهه تنهره: أيها السافل الوضيع، اعرف مقامك واغرب عن وجهي.

image

غرست خنجرها في قلبه الرقيق بلا رحمة وخاب ظنه فيها فقد كانت تمثل له الأمل الذي كان ينتظره طول عمره ومن بين كل هذه الآلام قرر الرحيل عن هذه الأسرة الخبيثة والبحث عن منأى وملاذ ليستبدله بهذه المجموعة اللئيمة.

image

وبلا وداع رحل فلم يكن يأبه بوجوده أحد وغادر ولم يلتفت وراءه نحو قطيع ضباع جديد ووطن جديد وأهل جدد تقوده بوصلة الأمل ويدفعه التفاؤل بإشراق غد سعيد.

رحل عامر ولم يفتقده أحد وانطلق يبحث عن مجموعة آخرى يحمل أحلامه فوق ظهره ويرسم غده الجميل في عقله ويخطط ماذا سيفعل.

image

في غمرة الأحلام اكتشف عامر أنه دخل منطقة ألد أعداء الضباع، فالأسود في كل جهة ترمقه بنظرات الغضب والانتقام تريد أخذ الثأر من ضباع العالم كلها في عامر.

image

ثورة الغضب حركت الأسد الكبير وأخرجته من عرينه ليسابق الريح نحو عامر فهرب منه والخوف يملأ قلبه مذعورا مرعوبا لا يعرف أين يهرب ولكن من يستطيع الهروب من الأسد؟!

image

ثوان قليلة فقط وإذا بعامر بين فكي الأسد الذي أطلق كل قوته لا ليقتل عامر بل ليكسر ظهره فقط ويبقيه مشلولا غير قادر على شيء ثم تركه ومضى مزهوا بتحقيق ثأره.

image

رأت النسور كل ما حدث وتجمعت فوق عامر الذي ما زال حيا واصطفت حوله تراقبه كأنها أشباح تقترب منه وتمعن النظر فيه بأعينها المخيفة كأنها تريد إخراج روحه.

image

ظل الحال هو الحال أياما حتى أهلك عامرا العطش فوا حسرتا يا عامر حتى في الموت تحصل على أبشع طريقة

مات عامر وماتت معه كل أحلامه

Be the first to comment

Leave a Reply