النسور حائرة وفي دهشة لا تعرف أن تتعامل مع جثة حية، إنها لا تتحرك لكنها تئن وتتألم، فماذا ستفعل وقرصة الجوع تجعل بطونها تعوي.
لا تستطيع أمه أن تفعل له شيئا، حتى أقل واجبات الأمومة من حماية وإرضاع، فكل شيء تقدمه المجموعة أولا لابنة الملكة ثم أولاد بقية المجموعة حسب الرتبة ولا يكاد يبقى شيء بعد ذلك لعامر.
كانت الضباع الصغيرة تتخذه دمية تلعب به وتتدرب عليه وتطارده وتؤذيه ولا يستطيع أحد حمايته حتى أمه
ينتظر دوره ليرضع ما تبقى من حليب أمه الذي سلبته الضباع الصغيرة بنات الإناث ذوات الرتب الأعلى
لا يستطيع عامر أن يفعل شيئا لأنه كلما اشتكى أو حاول الدفاع عن نفسه زجرته الملكة وهددته بالطرد
كانت ابنة الملكة تستمتع بتعذيبه حتى توصله الحد الذي لا يطيقه وما إن ينتصر لنفسه حتى تستغيث تلك الخبيثة بأمها لتكمل تعذيبه
ترق له أمه وتحاول أن تمنحه في غفلة الرقيب ما تستطيع فتسرق له بعض الطعام حينا وتخفي عامرا أحيانا فكانت له الشيء الجميل الوحيد في حياته لكن ليس من حق عامر أن يفرح فعندما اكتشفت الملكة ما تفعله أمه قتلتها وحرمته منها.
لا توجد لغة تستطيع أن تصف فجيعة عامر ولا الصدمة التي أصابته وقف مذهولا فوق جثة أمه يهلكه العجز ويوجعه الفقد ويأكله الفراق، لم يستطع أن يبكي وتجمدت عيناه فالحال أكبر من أن يستوعبه قلبه الصغير.
كانت إحدى الضباع الصغيرة لا تؤذي عامرا ولا تضره وكفت أذاها عنه فكان عامر ممتنا لذلك وإن لم تقدم له شيئا
كبرت الضباع الصغيرة وكبر إيذاؤها لعامر ففي عالم الضباع الإناث تحكم وورثت تلك الصغيرة الخبيثة عرش أمها وتتسابق الذكور لكسب ودها إلا عامر فهو يائس لأنه الأدنى مرتبة لكنه كان يأمل بتلك التي لم تؤذه يوما فوضع كل آماله فيها وحين أراد الاقتراب منها صرخت في وجهه تنهره: أيها السافل الوضيع، اعرف مقامك واغرب عن وجهي.
غرست خنجرها في قلبه الرقيق بلا رحمة وخاب ظنه فيها فقد كانت تمثل له الأمل الذي كان ينتظره طول عمره ومن بين كل هذه الآلام قرر الرحيل عن هذه الأسرة الخبيثة والبحث عن منأى وملاذ ليستبدله بهذه المجموعة اللئيمة.
وبلا وداع رحل فلم يكن يأبه بوجوده أحد وغادر ولم يلتفت وراءه نحو قطيع ضباع جديد ووطن جديد وأهل جدد تقوده بوصلة الأمل ويدفعه التفاؤل بإشراق غد سعيد.
رحل عامر ولم يفتقده أحد وانطلق يبحث عن مجموعة آخرى يحمل أحلامه فوق ظهره ويرسم غده الجميل في عقله ويخطط ماذا سيفعل.
في غمرة الأحلام اكتشف عامر أنه دخل منطقة ألد أعداء الضباع، فالأسود في كل جهة ترمقه بنظرات الغضب والانتقام تريد أخذ الثأر من ضباع العالم كلها في عامر.
ثورة الغضب حركت الأسد الكبير وأخرجته من عرينه ليسابق الريح نحو عامر فهرب منه والخوف يملأ قلبه مذعورا مرعوبا لا يعرف أين يهرب ولكن من يستطيع الهروب من الأسد؟!
ثوان قليلة فقط وإذا بعامر بين فكي الأسد الذي أطلق كل قوته لا ليقتل عامر بل ليكسر ظهره فقط ويبقيه مشلولا غير قادر على شيء ثم تركه ومضى مزهوا بتحقيق ثأره.
رأت النسور كل ما حدث وتجمعت فوق عامر الذي ما زال حيا واصطفت حوله تراقبه كأنها أشباح تقترب منه وتمعن النظر فيه بأعينها المخيفة كأنها تريد إخراج روحه.
ظل الحال هو الحال أياما حتى أهلك عامرا العطش فوا حسرتا يا عامر حتى في الموت تحصل على أبشع طريقة
مات عامر وماتت معه كل أحلامه
Leave a Reply
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.