كافير البطل

في سهول أفريقيا الشاسعة عاشت قبيلة نياتي من الجواميس الأفريقية التي تقطعها ذهابا وإيابا بحثا عن الماء والمرعى والملاذ الآمن من الأسود عدوها الأخطر والأوحد فحجمها الضخم يغري بصيدها فجاموس واحد سيطعم عصابة الأسود جميعها.

كانت قبيلة نياتي تحظى بجاموس بطل شجاع ضخم يدعى كافير لطالما ذب عن القبيلة وصد عنها هجمات عصابتي أسود تتربص بها تدعى الهزابر والغضافر عند أطراف مناطق القبيلة ولا يجرؤ أسد بل مجموعة أسود على الاقتراب ما دام كافير في الأنحاء.

كافير جاموس يتيم قتلت الأسود أمه فاضطر لعيش حياة قاسية صنعت منه جاموسا قويا حاقدا على الأسود فكان يثأر لشعرة من جسد أمه مع كل أسد يسحقه بقرونه الفتاكة فلا يتركه حتى تفارقه روحه ليس فيه عظم لم ينكسر.

كانت عصابات الأسود تنفذ هجومين متزامنين أو أكثر معظمها زائف لإبعاد كافير عن منطقة الهجوم الحقيقي لتحظى بفرصة للصيد دون أن يتدخل هذا الجاموس الجبار لإنقاذ الضحية من بين تلك الأنياب المرعبة والحرب سجال فتارة يموت جاموس وتارة يكتب له عمر جديد ويموت أو يصاب أو يفر أسد من إحدى العصابتين.

وفي المعارك الأخيرة كان كافير قد تعلم خطط الأسود كلها فدرب مجموعة من الجواميس التي أنقذها من براثن الأسود لينشئ قوة الطوارئ الخاصة للذب عن قبيلة نياتي ليصبح لحم الجواميس محرما على الأسود وصار صيدها بالغ الصعوبة وكل الجواميس المجندة تفعل ذلك بدافع الامتنان لكن الدافع الحقيقي هو عدم التعرض للعض ثانية فقوة الطوارئ هذه مكان آمن يحظى بالعدد والشجاعة المتمثلة في كافير فالانتماء إليها يعني النجاة مقابل الوقوف في الصف فقط.

مضت أيام والأسود جائعة لا تأكل إلا ما يبقيها على قيد الحياة من الحيوانات الصغيرة مما أدى إلى هجرة بعض اللبوات من المجموعتين واللبوات هي العمود الفقري لعصابة الأسود إذ لا يمكن تعويض لبوة مفقودة بخلاف الأسد الذكر فدائما في الأرجاء أسد ينتظر لإزاحة الملك من عرشه.

وفي إحدى دوريات حراسة الحدود التقى زعيما العصابتين لتدبير مكيدة تنقذ العصابتين من الجوع متخلين عن تقاليد الأسود وعاداتها فلم تعد العصابتان سوى عصابة واحدة فيها أكثر من أسد ذكر قوي وفي ظلام الليل كان الزئير يعلن عن الوضع العسكري الجديد الذي سمح للذكور الجوالة التي تتربص لانتهاز فرصة سقوط أحد الملكين وتولي حكم زمرته.

Page21_01_1566844a

تحالف الأعداء الجائعون في مشهد غريب يجمع بضعة أسود ذكور بالغة قوية لا تتقاتل للاستيلاء على السلطة بل تدبر مكيدة جديدة لكافير والاستفادة من التفوق العددي باتحاد جميع الأسود في المنطقة.

لم يكن الهدف تشتيت انتباه كافير عن موقع الهجوم الحقيقي هذه المرة بل كان كافير هو الهدف فالأسود تريد قتله والتخلص منه إلى الأبد فوضعت له كمينا محكما وخطة ماكرة تقتضي بأن تقود اللبوات جاموسا ضعيفا وتحاصره في منطقة الكمين دون قتله ليستمر في الاستغاثة حتى يأتي كافير.

ولم يطل الأمر حتى سمعوا صوت كافير كأنه الرعد يكاد الشرر يتطاير من عينيه تتبعه مجموعة من الجواميس زرع فيها كافير الشجاعة فأحكمت اللبوات الفخ ثم تنحت لتتيح المجال للذكور التي خرجت من بين الشجيرات عازمة على القتل وفي هذا المشهد الغريب كان عقل كافير ينبهه إلى وجود أمر ما فليس من عادة الأسود أن يكون فيها أكثر من ذكر أو ذكرين على الأكثر ولكن شجاعة كافير تغلبت على صوت عقله فلم يكن ليهرب ولم يعتد إلا على منظر الأسد الهارب منه.

إن قوة أسد ذكر واحد هائلة لكن كافير كان أقوى منه إلا أن الكثرة تغلب الشجاعة فلم يطل الوقت حتى سقط كافير فأطلق نداء استغاثة لأول مرة الذي من المفترض أن يثير غريزة الدفاع عند الجواميس لكنه أثار رعبا وبدلا من أن تهجم قوة الطوارئ تراجعت وهي تراقب قتل قائدها خوفا من اللبوات التي صنعت جدارا عازلا بين قوة الطوارئ وكافير.

كان يكفي الجواميس أن تركض نحو كافير لتشتت الهجوم فمهما بلغت قوة الأسود إلا أنها تخشى الإصابة فهي حكم بالإعدام فالأسد الجريح منبوذ ولا يستطيع الصيد فيغدو في سباق مع الوقت أيشفى من إصابته أم يهلكه الجوع قبل ذلك.

لكن الجواميس التي نجا كل واحد منها على يد كافير من قبضة أسد يوما ما كانت خائفة حتى من الركض نحو كافير فالمنظر المرعب جعلها تجبن وتتخاذل عن إنقاذ قائدها الذي كان يصرخ مستنجدا مذكرا إياها بأنها كانت في مثل ذلك الموقف يوما ما فأنقذها.

كانت حسابات الجواميس مضللة بالخوف من هذه التكتيك الجديد للأسود فآثرت السلامة وغدرت بقائدها الذي قتلته الخيانة قبل أنياب الأسود.

أخذ أحد الزعيمين رأس كافير وصعد به إلى شجرة وعلقه أمام مرأى قطيع نياتي ليكون تذكيرا دائما للجواميس بأن عليها أن تخاف وتهرب مهما بلغت قوتها.

لقد بقيت في عيني كافير نظرات الصدمة من غدر قطيعه به كأن رأسه المقطوع ظل يلوم ويعذل قطيعه الذي حظي في حياته بأمان مطلق من الأسود.

مات كافير بطلا وعاش الجبناء

Be the first to comment

Leave a Reply